كشف فريق من الباحثين من جامعة خليفة في الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع باحثين دوليين، عن تفاصيل مذهلة حول كيفية تأثير الهجرات القديمة على التركيبة الجينية لليمنيين المعاصرين، وفق ما أوردته صحيفة "دايلي نيوز إيجبت" في موقعها الالكتروني.
أوضحت الدراسة، التي نُشرت في مجلة "التقارير العلمية"، كيف ساهمت مجموعات سكانية من بلاد الشام والجزيرة العربية وشرق إفريقيا في تكوين الجينات اليمنية على مدى آلاف السنين.
وكانت اليمن تاريخيًا بمثابة ملتقى طرق بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام، ولعبت دورًا محوريًا في شبكات التجارة القديمة، ولا سيما تجارة التوابل والبخور، مما ربطها بحضارات كبرى مثل مصر وسومر واليونان، ومع ازدهار اليمن، أصبحت أيضًا مركزًا لتجارة الرقيق في شرق إفريقيا، مما أثر بشكل كبير على سكانها.
ولفهم التاريخ الجيني لليمن، قام الباحثون بتحليل الحمض النووي لـ 46 فردًا يمنيًا وقارنوه بالبيانات الجينية من السكان المجاورين. وركزوا على العلامات التي تشير إلى الهجرات القديمة، وتحديدًا الكروموسوم Y (الذي ينتقل من خلال الذكور) والحمض النووي للميتوكوندريا (الذي ينتقل من خلال الإناث).
وأشارت النتائج إلى أن سلالة الذكور في اليمن ترتبط ارتباطًا وثيقًا ببلاد الشام والجزيرة العربية، حيث توجد مجموعة هابلوغروب (J1) المهيمنة للكروموسوم Y بشكل شائع في جنوب غرب آسيا.
وعلى العكس من ذلك، أظهرت ما يقرب من ثلث عينات الحمض النووي للميتوكوندريا اليمنية علامات خاصة بأفريقيا، مثل L2a1، وهي شائعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهذا يشير إلى أن نساء شرق أفريقيا لعبن دورًا مهمًا في التاريخ الوراثي لليمن.
وحددت الدراسة موجتين رئيسيتين للهجرة كان لهما تأثير دائم على سكان اليمن. الأولى حدثت منذ نحو 5220 عامًا وشملت أفرادًا من بلاد الشام، ربما خلال العصر البرونزي. أما الموجة الثانية، التي حدثت منذ نحو 750 عامًا، فقد شملت مجموعات من شرق إفريقيا. وتتسق هذه الهجرة اللاحقة مع مشاركة اليمن في تجارة الرقيق في البحر الأحمر، والتي تم خلالها جلب نساء شرق إفريقيا المستعبدات إلى المنطقة.
ورغم أن الدراسة لا تربط صراحة بين نتائجها والعبودية، فإن الأنماط الجينية التي تم رصدها تتوافق مع الممارسات التاريخية. فكثيراً ما كانت النساء الأفريقيات المستعبدات يُرغَمن على إقامة علاقات جنسية، وكان أطفالهن يُعتبرون أحراراً بموجب الشريعة الإسلامية. وقد يساعد هذا في تفسير التأثير الجيني الأمومي الأفريقي الكبير الذي نراه في اليمنيين المعاصرين.
ولم يتم إلغاء العبودية في اليمن رسميًا حتى ستينيات القرن العشرين، ولم تتم دراسة تأثيرها على جينات السكان على نطاق واسع حتى الآن.
وتوفر الدراسة فهمًا أكثر وضوحًا لكيفية تشابك الهجرات القديمة والتجارة والعبودية لتشكيل السكان اليمنيين الذين نراهم اليوم.
ومن خلال الكشف عن هذه الروابط الجينية، تسلط الدراسة الضوء على مكانة اليمن الفريدة باعتبارها بوتقة تنصهر فيها الثقافات والأصول، مما يعكس تاريخها الغني والمعقد كجسر بين القارات.